منذ أن بدأت روسيا حشد قواتها، التي قارب عددها الـ100 ألف جندي، على حدود أوكرانيا منذ أسابيع، حتى بدأت التهديدات الأميركية والأوروبية بتطبيق عقوبات “غير مسبوقة” على روسيا، لكن رغم ذلك مضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدما بخططه التي توجت بالهجوم على أوكرانيا قبل يومين.
وأثار إقدام الرئيس بوتين علامات استفهام كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، إذ بدا وفقاً للعديد من التحليلات الاقتصادية الغربية، وكأنه قد “حضّر” نفسه وبلاده لمثل تلك العقوبات، وقام بـ”التحصينات اللازمة”.
تنقل صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن الخبير الاقتصادي ومقدم برنامج ” Overhoot”، ماثيو كلاين، قوله إنه منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية عام 2014، أظهر بوتين “فهما شجاعا” لحقيقة أن الغرب “لن يقابل القوة بالقوة، وإنما بالعقوبات”، مما دفع موسكو خلال السنوات الثماني الماضية، للعمل على تقليل تأثير العقوبات.
وأوضح كلاين أن “الشعب الروسي قبل بانخفاض مستويات المعيشة، وخفض استهلاكه من الواردات بأكثر من الربع، فيما دفعت الشركات الروسية المبالغ المستحقة للدائنين في الخارج، مخفضة ديونها الخارجية بمقدار الثلث، وشددت الدولة الروسية إجراءاتها، مما سمح لها بتكوين احتياطيات من الذهب والعملات الأجنبية”.
ومن خلال تبني هذه “التضحيات”، حصنت روسيا نفسها ضد أسلحة الغرب الاقتصادية، حيث يمتلك البنك المركزي الروسي صندوقا بـ630 مليار دولار “للأيام المضطربة” وفقاً للخبير.
وحتى إذا منعت العقوبات 100 بالمئة من الصادرات الروسية لمدة عام كامل، فستستمر البلاد بالاستيراد بوتيرتها الحالية، وسيتبقى لديها احتياطيات من النقد الأجنبي.
الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن في أول رد على توغل الجيش الروسي في أوكرانيا عن منع المستثمرين الأميركيين من شراء السندات الروسية، لكن روسيا وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” ليست بحاجة إلى الاقتراض من الأميركيين.
بالمقابل؛ يبدو الغرب أكثر حاجة لروسيا، وتحديدا إمدادات الطاقة الروسية، حيث ازداد اعتمادهم عليها بدلاً من تقليل الاعتماد عليها.
وحسب “واشنطن بوست”، استورد الاتحاد الأوروبي في عام 2013، حوالي 135 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي؛ وبحلول عام 2019، أي العام الذي سبق جائحة كورونا التي أثرت على الأرقام، استورد 166 مليار متر مكعب، بزيادة قدرها الربع تقريبا. كما ارتفعت صادرات الفحم الروسي إلى أوروبا، وبالتالي؛ قفز اعتماد أوروبا على الغاز الروسي من 16.5 بالمائة إلى 18.5 بالمائة في السنوات التي أعقبت أزمة 2014.
كما فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات أخرى على روسيا، تستهدف البرلمانيين الروس وأصدقاء بوتن، لكن من المحتمل ألا تؤتي بالتأثيرات التي يرغب الغرب بها على الرئيس بوتين.
وأعاقت العقوبات كذلك معظم البنوك الروسية، لكن الشركات الروسية التي تريد القيام بأعمال تجارية في الغرب، ستجد شركاء ماليين بديلين، كما تقول الصحيفة.
وتم كذلك حظر تصدير بعض المنتجات التقنية إلى روسيا، وهذه العقوبات تحديدا قد تؤثر على موسكو، إلا أن التأثيرات ستتحقق ببطء.
وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن العقوبة التي سيكون لها التأثير الأكبر، هي حجب نظام “سويفت” للمدفوعات العالمية بين البنوك عن روسيا، وهو النظام الذي تتبادل من خلاله البنوك الرسائل بشأن المدفوعات.
وهذا من شأنه أن يعقد التجارة بين الغرب وروسيا بشكل كبير، ويحدث فوضى كافية لإحداث مشاكل حقيقية لبوتن، فبالرغم من أن البنك المركزي الروسي “مملوء” بالاحتياطيات، فإن تلك الأموال لن تكون ذات فائدة كبيرة إذا لم يتم استخدامها لشراء الواردات.
ولهذه الأسباب، دعت أوكرانيا ودول البلطيق الثلاث، الغرب لإبعاد روسيا عن نظام “سويفت”، إلا أن طردها من النظام المصرفي قد يتسبب في أزمة طاقة بأوروبا، لذلك تعارض ألمانيا وجيرانها، في الوقت الحالي على الأقل، تلك الخطوة، باعتبار أنها “تضحية غير مقبولة” في الوقت الراهن.
وختمت الصحيفة الأميركية تقريرها، بالتساؤل عما إذا كانت “هشاشة الغرب ورفض الأوروبيين قبول التضحية، يفسر لماذا شعر بوتين بالجرأة للتدخل العسكري في أوكرانيا في المقام الأول؟، وما إذا كان على الغرب الآن تعديل حساباتهم”.