هاشتاغ _ نسرين علاء الدين
تشهد الساحة العربية والدولية أحداثا متسارعة أثرت وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على القضية السورية، مما أثار تساؤلات عديدة في الأوساط السورية حول موقف المجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الأوروبي من أوضاع السوريين داخل وخارج سوريا والقضايا التي كانت تحظى بالاهتمام الدولي وعلى رأسها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية مثل الهجرة وحماية المهاجرين والدعم المالي المقدم من قبل المانحين.
“هاشتاغ” توجه للقائم بالأعمال لدى بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا السيد دان ستوينسكو بهذه الأسئلة للإضاءة على كل ما سبق من تساؤلات:
ما هي رؤية الاتحاد الأوروبي لعام 2024؟
بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على الصراع، يؤكد الاتحاد الأوروبي من جديد التزامه تجاه الشعب السوري. ما زالت سوريا تمثل أولوية كبرى بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ما زال الاتحاد الأوروبي مقتنعاً بأن السبيل الوحيد لتحقيق سلام مستدام في سوريا هو حلّ سياسي ينسجم وقرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 2254. ويلتزم الاتحاد الأوروبي بحزم بتحقيق هذا الهدف، ويدعم الجهود المستمرة التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة بيدرسن للمضي قدماً في جميع جوانب قرار مجلس الأمن رقم 2254.
يقوم الاتحاد الأوروبي بحشد أدواته السياسية مع تقديم المساعدات الإنسانية وغير الإنسانية لدعم السوريين واستمرار تسليط الضوء على سوريا، لا سيما مع تفاقم الصراعات والأزمات في جميع أنحاء العالم.
سيبقى تركيز الاتحاد الأوروبي في سوريا على المجالات التالية:
– الضغط بغية إنهاء الحرب من خلال انتقال سياسي حقيقي ينسجم وقرار مجلس الأمن رقم 2254، برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، وبدعم من الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية الرئيسية. يشمل هذا أيضاً دعمنا لجهود المبعوث الخاص بشأن مقاربته خطوة مقابل خطوة، لتعزيز العملية السياسية والاستئناف المبكر لعمل اللجنة الدستورية،
– تلبية الاحتياجات الإنسانية الماسّة للسوريين، وخاصة الشرائح الأكثر ضعفاً في جميع أنحاء القطر.
– تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير من خلال تقوية منظمات المجتمع المدني السوري.
– تعزيز المساءلة عن جرائم الحرب بغية تيسير عملية مصالحة وطنية وعدالة انتقالية.
– دعم متطلبات صمود سكان سوريا ومجتمعها.
ما هي مجالات التركيز خلال عام 2024، وهل يمكنكم استعراض مجالات التدخل عام 2023 بإيجاز؟
مع دخول الصراع السوري عامه الثالث عشر، يستمر الوضع في التدهور، ما يفرض عبئاً كبيراً على الخدمات الأساسية.
كان تمويل الاتحاد الأوروبي للمساعدات غير الإنسانية مستقراً إلى حدّ ما على مرّ السنوات، بحوالي 40 مليون يورو سنوياً إلى عام 2022.
في عام 2023 اعتمد الاتحاد الأوروبي تدبيراً خاصاً لدعم الشعب السوري بميزانية أكبر قدرها 57 مليون يورو. ستدعم هذه الحزمة الأنشطة الرّامية إلى زيادة قدرة السكان المحليين على الصمود في قطاعات التعليم والصحة والأمن الغذائي، مع التركيز بشكل خاص على المناطق المتضررة من الزلازل في شمال غرب سوريا.
وفيما يتعلق بمجالات التدخل، كان تركيزنا الأساسي العام الماضي على تحسين القدرة على الصمود في المناطق الحضرية والريفية بمبلغ 16 مليون يورو، وتعزيز الأمن الغذائي في المجتمعات بمبلغ 10 ملايين يورو.
إقرأ أيضا: رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي يحذّر: وضع الشباب السوري كارثي بعد الحرب
هذا العام، من بين مجالات التدخل الأخرى، سيكون التركيز على التعليم (17 مليون يورو) والصحة (19 مليون يورو) والعدالة والمساءلة (6 ملايين يورو). وسنركز تدخلنا في قطاعيْ الصحة والتعليم على تقوية توفير الخدمات الرئيسية، مع زيادة القدرة على الصمود من خلال دعم موظفي الرعاية الصحية لإدارة الخدمات والأنظمة، أو من خلال الاستثمارات في التعليم المهني الذي يوفر للشباب سبل عيش قابلة للتطبيق. وتسترشد جميع المداخلات بالاحتياجات المحلية للمجتمعات المحلية، مع مراعاة مواطن ضعفها.
تجدر الإشارة إلى أننا لا نعمل مع السلطات السورية، إلا أننا لا نعمل في عزلة. ننخرط باستمرار مع المجتمعات السورية ومنظمات المجتمع المدني لمعرفة الآراء إزاء المطلوب فعلياً على أرض الواقع. لذلك نفكر بعناية لدى اتخاذ القرارات، لتغطية الاحتياجات الفورية مع السعي إلى إحداث تأثير أكثر استدامة.
نستخدم مقاربة “سوريا برمّتها”، إذ تجري الأنشطة في جميع مناطق سوريا ويديرها شركاء منفذون مختلفون. ومع تفاقم الصراع الذي طال أمده، تتزايد الاحتياجات الأكثر إلحاحاً في سوريا، وتتفاقم بسبب آثار الصراع الثانوية، كالتقلّبات الاقتصادية ونقص الخدمات الأساسية وانهيار قدرات الدولة.
أخبرنا المزيد بشأن برنامج التعليم في سوريا، ما هي الآفاق المستقبلية؟
منذ بداية الأزمة عام 2011، وقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب الشعب السوري وقدم دعماً كبيراً لمختلف الأنشطة التعليمية للسوريين واللاجئين من خلال مقاربة “سوريا برمّتها”. حرمت الأزمات المستمرة الكثير من الشباب السوري من الالتحاق بالمدارس. ولهذا السبب يستثمر الاتحاد الأوروبي في فرص التعلّم البديلة، لمساعدة الشباب الموهوب في اكتساب المهارات التي يحتاج إليها من أجل مستقبل أفضل.
في إطار برامج التعليم الحالية، يتم دعم حوالي 80,000 طفل بأنشطة التعليم الابتدائي والثانوي، مع توفير فرص تعليمية متساوية للفتيات والنساء. ويتم ذلك بأشكال مختلفة، كدروس تقوية ودروس تعويضية لمساعدة الأطفال المعرضين لخطر التسرّب من المدرسة، أو لمساعدة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس من أجل إعادة الاندماج في نظام التعليم.
كما يتم دعم الطلاب الذين يستعدون لتقديم الامتحانات الوطنية في الصفّين التاسع و البكالوريا بدورات ما بعد المدرسة ودروس تقوية.
كما قدّم الاتحاد الأوروبي من خلال شركائه في هذا المجال الدعم لـ 12000 من الطلاب المراهقين المستضعفين. بالإضافة إلى ذلك، تلقى أكثر من 20,000 طفل وشاب الدعم النفسي والاجتماعي لتعزيز قدرتهم على الصمود وبناء رفاه اجتماعي أفضل.
وفي إطار مختلف المشاريع المموّلة من الاتحاد الأوروبي، ندعم أيضاً تدريب 3500 معلم وموظف في مجال التعليم. كما موّل الاتحاد الأوروبي إعادة تأهيل 11 مدرسة حيث يستفيد 6500 طالب الآن من مساحات تعليمية آمنة ومجهزة. ويغطي دعمنا أيضاً تطوير المواد التعليمية المتعلقة بمختلف برامج التعليم البديل غير الرسمي.
بالإضافة إلى ذلك، تركز مداخلات الاتحاد الأوروبي أيضاً على التدريب التقني والمهني والتعليمي، ويوفر للشباب والطلاب داخل سوريا دورات تدريبية حول المهارات التي يمكن أن تساعدهم في التوظيف في الأسواق المحلية، كالعمل في المستشفيات والمخابر والنجارة والميكانيكا ، إلخ …
مثال: تمّ تصميم تدريباتنا لمعالجة فجوات الخدمة في سوق العمل في مجموعة متنوعة من القطاعات، كتصفيف الشعر وخدمات صالونات التجميل والتمريض وتجهيز الأغذية.
حول الآفاق المستقبلية: سيظل توفير خدمات التعليم والتدريب المهنيين للأطفال والشباب مركزياً في برنامجنا التعليمي، مع التركيز بشكل خاص على المهمّشين والمستضعفين، كالفتيات والشابات والمهجّرين داخلياً واللاجئين والناجين من الزلزال والأطفال غير الملتحقين بالمدارس أو المسجّلين فيها لكنهم عرضة للتسرّب والأشخاص ذوي الإعاقة.
ما هي توقعاتكم على صعيد مؤتمر بروكسل الثامن، في ظلّ نقص التمويل و الأزمات الإقليمية؟
يبقى الاتحاد الأوروبي ملتزماً تجاه الشعب السوري. إن الاتحاد الأوروبي داعم رئيسي للجهود التي تقودها الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى حلّ سياسي.
بالإضافة إلى ذلك، ما زال الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أكبر مزوّد للمساعدات الإنسانية وغير الإنسانية للسوريين، مع الإعلان عن تعهّدات سنوية خلال مؤتمر بروكسل حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”.
وفي عام 2023، نجح المؤتمر في حشد المساعدات للسوريين داخل القطر وفي الدول المجاورة، من خلال تعهدات دولية بلغ مجموعها 5.6 مليار يورو لعام 2023 وما بعده، بما في ذلك 4.6 مليار يورو لعام 2023 ومليار يورو لعام 2024 وما بعده.
يلتزم الاتحاد الأوروبي بضمان استخدام الأموال المخصّصة بأكثر الطرق فعالية. وتحقيقاً لهذه الغاية، ننخرط في مشاورات مستمرة مع مجموعة متنوعة من المعنيين، بما في ذلك المجتمعات المدنية المحلية، لتحديد أفضل طريقة لتقديم الدعم للشعب السوري.
بروح الشفافية والمساءلة، ينشر الاتحاد الأوروبي تقريراً عاماً سنوياً بعد المؤتمر. ويقدّم هذا التقرير تتبعاً دقيقاً للمساهمات المالية المتعلقة بالتعهدات المعلنة. وهذا يتيح لجميع المعنيين، بما في ذلك عامة الناس، فهم كيفية ترجمة الالتزامات التي تم التعهد بها في المؤتمر إلى دعم ملموس.
وفي خضمّ التحدّيات العالمية والاحتياجات الإنسانية المتزايدة، تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يخفض مساعداته لسوريا. في الواقع، ظل التمويل مستقراً نسبياً على مرّ السنوات، مع الاتجاه نحو زيادة طفيفة.
على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، حشد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه بشكل جماعي أكثر من 30 مليار يورو لمساعدة المتضررين من الحرب السورية، ما جعل الاتحاد الأوروبي أكبر مزوّد للمساعدات الدولية استجابة للأزمة السورية. قام الاتحاد الأوروبي بتمويل مشاريع مختلفة في سوريا تغطي كل شيء، من المساعدات الإنسانية الطارئة إلى مبادرات أطول أجلاً في مجال الرعاية الصحية والتوظيف والتعافي المبكر ودعم المجتمع المدني والتعليم.
في الذكرى السنوية الأولى للزلزال، ما الذي قدّمه الاتحاد الأوروبي للذين تضرّروا من الكارثة؟
الاتحاد الأوروبي أحد المانحين الرئيسيين للمساعدات الإنسانية للمتضررين من الزلزال والصراع في سوريا. في أعقاب الزلزال، نظم الاتحاد الأوروبي مؤتمراً للمانحين في آذار/مارس 2023 لحشد تمويل المجتمع الدولي لدعم شعبيْ تركيا وسوريا، متعهداً بتقديم ما مجموعه 7 مليارات يورو.
في عام 2023، خصّصت المفوضية الأوروبية 186.5 مليون يورو كمساعدات إنسانية لمساعدة ملايين الأشخاص داخل سوريا. وفي العام الماضي، زاد الاتحاد الأوروبي من تمويله الإنساني للاستجابة لحالات الطوارئ. ويشمل ذلك زلزال شباط/فبراير 2023 والمياه والصرف الصحي والنظافة والاحتياجات الصحية وانعدام الأمن الغذائي المتفاقم.
مثال: استجابة للزلازل، أجرى الشركاء في المجال الإنساني على الأرض عمليات بحث وإنقاذ، وقدّموا الخيام والبطانيات ومستلزمات النظافة والطهي وغيرها من المستلزمات المنزلية الأساسية لفاقدي السكن وزوّدوا المرافق الصحية بالأدوية.
كما قام الاتحاد الأوروبي بعد يومين من زلزال 6 شباط/فبراير بتفعيل القدرة الأوروبية للاستجابة الإنسانية (EHRC) لتوفير الإغاثة السريعة للأشخاص المتضررين من الزلزال في سوريا. وقد تمّت تعبئة مخزونات الاتحاد الأوروبي لإيصال إمدادات الطوارئ إلى جميع أنحاء سوريا. بالإضافة إلى ذلك، تم تفعيل آلية الحماية المدنية للاتحاد الأوروبي استجابة لزلزال شباط/فبراير، حيث قامت 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ودولة واحدة مشاركة (NO) بتسليم مواد إغاثية بما في ذلك بطانيات وأسرّة ميدانية وخيام ومدافئ ومولدات الكهرباء ومواد استهلاكية طبية ووحدات طبية وما إلى ذلك.
وقد تمّ تصميم العمليات لضمان وصول المساعدات إلى كل من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة وغير الواقعة تحت سيطرتها، مع مركز في بيروت للشحنات إلى دمشق وآخر في غازي عنتاب للشحنات إلى شمال غرب سوريا.
إقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي سيقدم المساعدات إلى سوريا كما قدمها للبنان إثر انفجار مرفأ بيروت
علاوة على ذلك، في أعقاب الزلزال، خصّص الاتحاد الأوروبي حوالي 10 ملايين يورو لتقديم الدعم لاحتياجات الأمن البشري ومتطلبات الصمود بعد الزلزال، لا سيما للأطفال المتضررين من الصدمة والشباب ومقدّمي الرعاية.
وتهدف هذه المشاريع والمداخلات من قبل المنظمات المحلية إلى التركيز على إعادة تأهيل البنية التحتية وتوفير مساحات أكثر أماناً حيث يمكن للأفراد المستضعفين الوصول إلى الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والعافية وسبل العيش. كما هدفت إلى زيادة قدرة الجهات الفاعلة المحلية ومقدّمي الاستجابة الأولى على معالجة التخطيط في الكوارث والاستجابة لها على نحو مجتمعي ومراعٍ للصراع، إلى جانب التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي.
وأخيراً، اعتمد الاتحاد الأوروبي أيضاً في الجزء الثاني من عام 2023 حزمة من المساعدات غير الإنسانية للشعب السوري بقيمة 57 مليون يورو. ستركز هذه الحزمة أيضاً بشكل خاص على دعم المناطق المتضرّرة من الزلزال. وسيكون لها ميزانية أكبر مقارنة بحزمة 2022 (أي 46 مليون يورو في عام 2022). وعليه، فإن استجابة الاتحاد الأوروبي للزلزال مستمرة.
مثال: فعلياً، بتمويل من الحزمة، يعتزم الاتحاد الأوروبي الدخول في شراكة في عام 2024 مع منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية من أجل تشجيع أطفال المناطق المتضررة من الزلزال على إعادة الاندماج أو البقاء في مدارسهم، وتزويد المزارعين في هذه المناطق بالمدخلات والبنى التحتية والمعدات لزيادة إنتاجيتهم وتعزيز قدراتهم على التصنيع الزراعي، وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والأدوية الأساسية.