هاشتاغ | ترجمة: حسام محمد
منذ اللحظة التي هاجمت فيها “حماس” “إسرائيل” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، صرح المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون بأنه لا يوجد دليل يربط إيران بشكل مباشر بالهجوم، وأشارت بعض مصادر المخابرات الأمريكية إلى أن القادة الإيرانيين أخذوا على حين غرة.
ولكن ليس هناك شك في أن طهران تعتبر أن قدرة “حماس” على خداع المخابرات الإسرائيلية وتنفيذ مثل هذه العملية واسعة النطاق يعد انتصاراً كبيراً، حيث لا تخفي دعمها القوي لحماس، وقد أشادت علناً بالهجوم.
ولكن غزو “إسرائيل” لغزة ودعم إيران لحماس من الممكن أن يحول الصراع إلى شيء أكثر كارثية.
مع تقدم القوات الإسرائيلية عبر غزة، يمكن أن تتصاعد الحرب إلى النقطة التي يصبح فيها “محور المقاومة” – حزب الله وغيره من حركات المقاومة، المدعومة من طهران في العراق ولبنان واليمن وأماكن أخرى – مقاتلين مباشرين.
ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه التطورات بدورها إلى جر الولايات المتحدة إلى القتال. وحتى لو لم يحص ذلك، فإن الحرب الإقليمية الإيرانية الإسرائيلية ستكون لها عواقب بعيدة المدى، بما في ذلك تدفق اللاجئين إلى أوروبا من الشرق الأوسط، وزيادة التطرف في جميع أنحاء المنطقة، وربما اضطرابات كبيرة في سوق النفط الدولي والاقتصاد العالمي. .
ورغم أن إيران دعت لوضع نهاية سريعة للحرب بين “إسرائيل” و”حماس”، إلا أن طهران تبدو مستعدة لخوض معركة طويلة الأمد، حتى لو كانت لها تكاليف بشرية باهظة.
في الواقع، إذا كان الماضي مقدمة، فمن المرجح أن تنظر القيادة الإيرانية إلى هذه الحرب باعتبارها فرصة لتحقيق أهداف متعددة.
وبالفعل، نجحت “حماس” في نقل الحرب بالوكالة بين إيران و”إسرائيل” ــ والتي تدور عادة في لبنان وسوريا ــ إلى الأراضي الإسرائيلية.
كما ترى طهران، فإن الصراع يمكن أن يساعد “حماس” على ردع “إسرائيل” بشكل دائم عن مهاجمة الفلسطينيين في قطاع غزة.
وإذا توسعت الحرب إلى صراع إقليمي، فقد تخلق فرصة لإيران لصنع سلاح نووي في النهاية.
طهران تتجاهل خلافاتها مع “حماس”
بعد أن تحولت منظمة التحرير الفلسطينية عن العمل العسكري، واتجهت نحو الدبلوماسية في منتصف التسعينيات، ساعدت إيران في تنمية شبكة من الجماعات الإسلامية المسلحة المناهضة لإسرائيل.
وبناء على نجاحها مع حزب الله، بدأت إيران في أوائل التسعينيات في دعم “حماس”، المنظمة الفلسطينية المسلحة التي تسيطر على غزة منذ عام 2007، وهي شراكة غريبة إلى حد ما.
وأظهر القادة الإيرانيين قدراً من البراغماتية في بناء شبكة من الحلفاء.
ونتيجة لذلك، تجاهلت طهران باستمرار خلافاتها مع “حماس“، وقد أتى ذلك بثماره: فمثل نظيرتها اللبنانية، اكتسبت “حماس” قدرة متزايدة بمرور الوقت من خلال المساعدات الإيرانية والمواجهات العسكرية المتكررة مع “إسرائيل”.
ومن خلال توفير الدعم المالي والعسكري والسياسي، ساهمت إيران في تطوير قدرات “حماس” وترسانتها الصاروخية سريعة التوسع، حيث اجتمعت كل هذه القدرات والأسلحة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وكان لها تأثير مرعب.
وألحقت حرب حزب الله مع “إسرائيل” في عام 2006 تكاليف بشرية واقتصادية كبيرة على لبنان، لكنها ألحقت أيضاً أضراراً واسعة النطاق بالجيش الإسرائيلي، وحققت قدراً من الردع المتبادل الذي منع “إسرائيل” من غزو لبنان في السنوات التي تلت ذلك.
وبالتالي، ساعدت حرب عام 2006 في ردع “إسرائيل” عن القيام بعمليات عسكرية علنية ضد المنشآت النووية الإيرانية – خشية أن تواجه هجمات صاروخية انتقامية واسعة النطاق من قبل حزب الله.
الأدوار والأهداف
لدى إيران أهداف كثيرة للحرب الحالية في غزة. لكن الأمر الأكثر إلحاحاً هو أن تصبح “حماس” و الجهاد الإسلامي الفلسطيني أكثر شعبية وأكثر قوة من ذي قبل.
وتريد إيران على وجه التحديد أن يعمل شركاؤها على إلحاق أضرار هائلة بإسرائيل وفي الوقت نفسه منع تحقيق انتصار إسرائيلي في غزة.
وبذلك، تعتقد إيران أنه بإمكانها مساعدة “حماس” المنتصرة، أو جماعة مسلحة مماثلة، على الوصول إلى السلطة في الضفة الغربية. وحتى لو لم يتمكنوا من تولي زمام الأمور في الأراضي الفلسطينية الأخرى، فإن النصر من شأنه أيضاً أن يمكّن “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطيني من توسيع نفوذهما إلى ما هو أبعد من غزة من خلال جعل الجماعتين أكثر شعبية بين سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية.
خطة إيران للتصعيد الإسرائيلي
لحماية شركائها، هددت طهران بأن محورها قد يهاجم “إسرائيل” والولايات المتحدة إذا خاضت “إسرائيل” حرباً برية واسعة النطاق واستمرت في القصف العشوائي للمدنيين الفلسطينيين.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إن “إصبع المحور على الزناد”. وأعلن أمير عبد اللهيان أنهم مستعدون لفتح جبهات جديدة إذا كان ذلك سيساعد “حماس” على مقاومة الهجوم الإسرائيلي.
ومن خلال التحذير من أنها ستفتح جبهات جديدة، يمكن لطهران أن تزيد من تحويل انتباه “إسرائيل” ومواردها الأمنية بعيداً عن غزة، مما يخلق مساحة محتملة لانتفاضة جديدة.
وفي الوقت نفسه، تبدو تهديدات إيران بفتح جبهات خارج فلسطين ذات مصداقية.
أقرأ المزيد: هل سيردّ بايدن على هجمات وكلاء إيران في العراق وسوريا؟
وبالفعل، كانت هناك مناوشات حدودية بين حزب الله و”إسرائيل” في شمال “إسرائيل”، وهجمات صاروخية “فاشلة” شنها الحوثييبن المدعوميين من إيران والتي – وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية – كانت “من المحتمل” أن تستهدف “إسرائيل”، وهجمات صاروخية من قبل “الميليشيات الشيعية” العراقية على قواعد تأوي القوات الأمريكية.
وإذا أرادت هذه المنظمات ذلك، فيمكنها شن هجمات متزامنة ضد “إسرائيل” والقوات الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة، مما يؤدي إلى أعمال انتقامية يمكن أن تتصاعد بسرعة إلى حرب إقليمية أوسع.
ولا يزال هذا السيناريو غير محتمل، ولا يبدو أن إيران تسعى إلى حرب تمتد إلى ما هو أبعد من “إسرائيل” وفلسطين.
ولكن بالنظر إلى البيئة المتوترة ومسارات التصعيد العديدة، فإن ذلك ليس مستبعداً، قد تشعر الولايات المتحدة بضرورة ضرب إيران إذا تعرضت لهجوم عدواني من قبل “وكلاء” طهران.
وإذا اتسع نطاق الصراع، فإن احتمالات اتخاذ إيران الخطوات النهائية لتصبح قوة نووية سوف ترتفع.
وتمتلك البلاد بالفعل القدرة على بناء رأس حربي عملي. وبدعم قوي من “إسرائيل”، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 201، ورداً على ذلك، بدأت طهران في توسيع أنشطة التخصيب إلى درجة أنها، وفقاً لمسؤولين أمريكيين، تمتلك الآن ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية في غضون أسبوعين. .
لذلك، من الممكن أن تخلق الحرب المتصاعدة فرصة وأساساً منطقياً قوياً لإيران لامتلاك السلاح النووي.
وقد تؤدي أزمة إقليمية أوسع إلى توليد قدر كبير من الاضطرابات الدولية إلى الحد الذي يجعل القوى الأخرى غير قادرة على الالتفات إلى قرارات إيران النووية أو غير قادرة على إنفاق الموارد اللازمة لوقف هذه القرارات.
وإذا اتسع الصراع ليشمل إيران، فمن الممكن أن يستنتج قادة البلاد أيضاً أنهم في حاجة إلى الأسلحة النووية للدفاع.
وإذا اعتقدت “إسرائيل” أو الولايات المتحدة أن طهران على وشك إنتاج قنبلة نووية، فقد تردان بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، بغض النظر عن التزاماتهما العسكرية الأخرى.
ومن أجل القضاء على البرنامج بشكل حقيقي، قد تحتاج واشنطن إلى بدء غزو واسع النطاق للبلاد – وهو احتمال ستجعله القدرة التقليدية المتنامية لإيران، إلى جانب محور المقاومة، مكلفاً للغاية وصعباً للغاية.
اغتنام اللحظة
بالنسبة لطهران، فإن إيجابيات تجدد الصراع تتجاوز “إسرائيل” الأضعف، وربما السلاح النووي. تعمل الحرب في غزة على تعزيز التضامن بين العديد من بلدان ما يسمى بالجنوب العالمي، والتي تميل إلى النظر إلى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل باعتباره نفاقاً عميقاً. وحتى داخل الغرب، يشترك كثير من الناس في هذا الشعور.
بالنسبة لطهران، تأتي حرب “إسرائيل” في غزة في لحظة مناسبة. لقد اعتمدت إيران منذ فترة طويلة على القضية الفلسطينية للتعويض عن عزلتها كدولة فارسية شيعية في منطقة ذات أغلبية عربية سنية.
ومع ذلك، كانت هذه الاستراتيجية أقل فعالية عندما لم يكن الفلسطينيون في دائرة الضوء الدولية.
نجحت “إسرائيل” في تطبيع العلاقات مع البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة فيما كان يأمل البعض في “إسرائيل” والولايات المتحدة أن يكون حصناً إقليمياً أقوى ضد إيران.
وقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، بدت “إسرائيل” مستعدة لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية أيضاً. لكن هجوم “حماس” أوقف كل هذا التقدم.
وفي أعقاب ذلك، أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني محادثة هاتفية لأول مرة منذ استعادة العلاقات في آذار/مارس الماضي.
أقرأ المزيد: صحيفة: قادة إيران يتحركون بين سوريا ولبنان للإشراف على المعارك مع الاحتلال
وتعتقد طهران أيضاً أن الحرب في غزة يمكن أن تغطي على “قمعها الداخلي”. في العام الماضي، امتلأت شوارع برلين ولندن وواشنطن ومدن أخرى في جميع أنحاء العالم بالناس الذين يحتجون على العنف الذي تمارسه الجمهورية الإسلامية ضد المرأة.
والآن، يحتل هذه الشوارع نفسها أشخاص يحتجون على الهجمات الإسرائيلية على غزة.
وداخل إيران نفسها، أدى الصراع إلى انقسام جماعات المعارضة، وتؤيد بعض الشخصيات المنشقة، بل وحتى نشطاء المعارضة العلمانية، دعم الجمهورية الإسلامية للفلسطينيين، في حين أعرب آخرون عن تضامنهم مع “إسرائيل” وأدانوا “حماس” بشدة، وساعد هذا في إدارة التوترات بين الدولة والمجتمع من خلال إحداث الفرقة بين خصومها.
وبطبيعة الحال، يقيّم قادة إيران التطورات في “إسرائيل” ويقررون ما يجب فعله بعد ذلك.
وفي نهاية المطاف، ليس هناك الكثير مما يمكن للعالم الخارجي أن يفعله لوقف جهود إيران.
وتتمحور الحرب بين “إسرائيل” و”حماس” بشكل أساسي حول المحنة الفلسطينية والحاجة إلى حل سياسي ذي مصداقية، وإلى أن يتم ذلك، ستبقى إيران مؤثرة بشكل بقوة في القضية الفلسطينية.
ومع ذلك، يتعين على الدول الخارجية أن تدرك أن التوترات المتزايدة بين إيران و”إسرائيل” تشكل تهديداً خطيراً طويل الأمد وله تداعيات عالمية.
ويتعين على الأطراف الخارجية أن تبحث عن مسارات لوقف التصعيد، بما في ذلك استخدام القنوات الخلفية لمساعدة الجانبين “إيران والولايات المتحدة” على التواصل. سيكون القيام بذلك صعباً. ولكن على الرغم من أن الأمر قد يبدو غير واقعي في الوقت الحالي، إلا أن الصراع الحالي قد يخلق فرصاً للوساطة.