هاشتاغ | ترجمة: حسام محمد
أشارت مجلة “فورين أفيرز – Foreign Affairs” الأمريكية إلى أن المخاوف من التقارب السعودي – الإسرائيلي ربما كانت أحد الدوافع الرئيسية لهجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وتكشف المجلة أن التهديد بتصعيد أوسع للحرب يهدد رغبة محمد بن سلمان بالاستقرار الإقليمي، الذي يسهّل عليه متابعة هدفه المتمثل في تنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية وتقليل اعتمادها على صادرات النفط.
ولا يمكن تحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة التي حددها محمد بن سلمان للمملكة العربية السعودية إلا في شرق أوسط مستقر.
إن استعداد المملكة العربية السعودية حتى للنظر في صفقة مع “إسرائيل” يعكس تحولاً أوسع في سياستها الخارجية.
في ظل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقه محمد بن سلمان، رؤية 2030، والذي يهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل اعتماده على صادرات النفط، شددت الرياض على ضرورة الاستقرار الإقليمي لتعزيز الاستثمار الأجنبي والتكامل الإقليمي والتنمية الاقتصادية التي تطمح إليها، وفي هذا السياق، بدأت الوساطة الأمريكية بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية.
بالرغم من أن الاتفاق السعودي – الإسرائيلي غير مطروح على الطاولة في الوقت الحالي، إلا أن الحوافز التي دفعت السعودية إلى التفكير في الاعتراف بإسرائيل لم تختف. لا يمكن تحقيق أهداف محمد بن سلمان الاقتصادية الطموحة للمملكة العربية السعودية إلا في شرق أوسط مستقر وفي ظل علاقات قوية مع الولايات المتحدة، وسوف تشكل هذه الأجندة طويلة المدى مسار عمله في الصراع الحالي.
خطوة واحدة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء
قبل هجوم “حماس” المفاجئ على “إسرائيل”، خطت إدارة بايدن خطوات ملحوظة في جهودها للتوسط في الاعتراف السعودي بإسرائيل. كانت هناك عقبات كبيرة في طريق التوصل إلى اتفاق، وهي المصالح المتباينة للأطراف الثلاثة.
كان السعوديون يطالبون بتحركات إسرائيلية ملموسة لتحسين الآفاق السياسية للسلطة الفلسطينية، على الأقل فتح إمكانية إجراء مفاوضات نحو حل الدولتين.
ونظراً للتركيبة اليمينية المتطرفة للحكومة الإسرائيلية، فإن مثل هذه الخطوات كانت غير مرجّحة.
وكانت مطالب الرياض من الولايات المتحدة أيضاً بعيدة المنال، بما في ذلك ضمان أمني رسمي والمساعدة في بناء بنية تحتية نووية مدنية سعودية دون الضمانات التي طلبتها واشنطن من الشركاء السابقين. ومع ذلك، كان هناك تقدم ملموس.
وقبل أقل من ثلاثة أسابيع من هجوم “حماس“، قال محمد بن سلمان لشبكة “فوكس نيوز”: “كل يوم نقترب أكثر” في المفاوضات. وربما كان الأمر كذلك، لكن القضية الفلسطينية كانت ستشكل دائماً عائقاً.
في آب/أغسطس، وبينما كانت المناقشات مع “إسرائيل” تتقدم، عيّنت المملكة العربية السعودية أول سفير لها لدى الفلسطينيين، وهي لفتة فسّرها الكثيرون على أنها دليل على التزام الرياض بالضغط من أجل الحصول على ضمانات إسرائيلية نيابة عن الفلسطينيين.
للرياض مصلحة في إنهاء القتال
لدى الرياض مصلحة في إنهاء القتال وإحراز تقدم نحو تسوية سلمية للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، لكن ليس لديها سوى القليل من الأدوات التي يمكنها أو ستستخدمها لتحقيق هذا الهدف في الوقت الحالي.
اقترح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وعدد من الأمريكيين أن تلعب الدول العربية دوراً في إدارة غزة ما بعد الحرب.
وتدعو المقترحات الأكثر طموحاً المملكة العربية السعودية إلى المساهمة بأفراد عسكريين وإداريين لحكم غزة بعد الحرب، ولا تزال المقترحات الأكثر تواضعاً تسند للسعوديين دور تمويل إعادة إعمار غزة.
لكن الرياض لن تسمح بأن يُنظر إليها على أنها تعمل على تنظيف الفوضى الإسرائيلية في غزة.
كما لا تتمتع قوات الأمن الداخلي السعودية بأي خبرة في العمل خارج حدودها، ومع الأداء الضعيف للجيش السعودي في اليمن لا يوصى بنشره في أماكن أخرى، ولم تعمل القوات السعودية قط كقوات حفظ سلام تحت علم الأمم المتحدة.
من الممكن أن تكون المملكة العربية السعودية على استعداد للعب دور مالي في الإدارة الانتقالية التي توافق عليها الأمم المتحدة والتي تؤدي إلى عودة سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة.
ومع ذلك، فإن هذا الدور لن يشبه صفقات المساعدات السعودية السابقة، والتي كانت بمثابة إغراق نقدي على العملاء المفضلين.
وقد أوضحت الرياض في المفاوضات الأخيرة مع مصر التي تعاني من ضائقة مالية أنها تفضل فرص الاستثمار، وليس التحويلات النقدية.
وسيكون نهجها تجاه غزة مشابهاً، ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتلطيف الصفقة بالمكاسب الدبلوماسية غير المتوقعة التي كانت الرياض تسعى للحصول عليها من واشنطن مقابل التقارب مع “إسرائيل”.
الأرباح أهم من السياسة
يحذر البنك الدولي، والوكالة الدولية للطاقة، والقادة الماليون، من أن أزمة نفط جديدة تحاكي صدمة 1973 – 1974 قد تكون في الأفق.
توضح المجلة أن هذه المخاوف مبالغ فيها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تعتمد على سوء فهم لما حدث في عام 1973. وعلى النقيض من الأسطورة المحيطة به، لم يكن للحصار الذي تم التبجح به تأثير يذكر.
ويشعر بعض المراقبين بالقلق بشأن تخفيضات الإنتاج، لكن السعوديين خفضوا بالفعل الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً منذ أواخر عام 2022 في محاولة لدعم الأسعار. ولن تتمكن الرياض من تحقيق مكاسب من المزيد من التخفيضات في الإنتاج، الأمر الذي سيكون من غير المرجح أن يمنح المملكة العربية السعودية أي نفوذ وسيؤدي إلى تنفير المستهلكين ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أيضاً في الصين.
والأهم من ذلك، أن محمد بن سلمان ليس لديه مصلحة في أن ينظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها مكان تتفوق فيه السياسة على الأرباح – خاصة وأن هدفه الرئيسي هو التحول الاقتصادي لبلاده.
لقد أظهر محمد بن سلمان التزامه الثابت بالسعي لتحقيق هذا الهدف حتى وسط الاضطرابات الحالية: في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، ومع الأخبار المروعة الواردة من غزة، شرعت المملكة العربية السعودية في عقد مؤتمرها السنوي لمبادرة مستقبل الاستثمار، والذي حضرته شخصيات مالية بارزة من جميع أنحاء العالم.
وتشير المجلة إلى أن محمد بن سلمان يرغب بأن ينظر إليه على أنه شريك اقتصادي يمكن الاعتماد عليه، وليس مُعطلاً يُلوّح بـ “سلاح النفط”.
اللعبة طويلة
مع استمرار أزمة غزة، فإن فرص استعادة الزخم في الحوار السعودي – الإسرائيلي غير المباشر الذي تتوسط فيه إدارة بايدن ضئيلة أو معدومة.
لكن العوامل التي دفعت تلك المفاوضات لم تتغير. ترغب “إسرائيل” بشدة في إقامة علاقة أوثق مع المملكة العربية السعودية، ويرغب السعوديون في أن يكونوا قادرين على الاستفادة من الاقتصاد الديناميكي لإسرائيل.
“ولا تزال كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية تنظران إلى إيران باعتبارها تهديداً إقليمياً”.
لكن المطالب السعودية بأن تتخذ “إسرائيل” بعض الخطوات الملموسة نحو إقامة الدولة الفلسطينية ستظل تشكل عقبة، ولكن ربما أقل من ذلك إذا أدت الحرب في غزة إلى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة أكثر مرونة، فإن العودة إلى طاولة المفاوضات مرجّحة.
وفي هذا السياق، من المهم التذكر بأن كل اتفاق عربي مع “إسرائيل” كان في جوهره اتفاقاً عربياً مع الولايات المتحدة.
والعودة النهائية إلى المناقشات السعودية – الإسرائيلية ستعني أيضاً العودة إلى المفاوضات الأمريكية السعودية بشأن قائمة رغبات الرياض: ضمان أمني ودعم أمريكي للتطوير النووي السعودي دون قيود الضمانات التي فرضتها واشنطن على الآخرين.
وإذا تمكنت الولايات المتحدة من إعطاء الأولوية للمناقشات السعودية – الإسرائيلية، ستقرر فيما إذا كانت جائزة التطبيع السعودي – الإسرائيلي تستحق تكلفة الالتزامات العسكرية الأمريكية الجديدة .
ومع ذلك، في الوقت الحالي مع استمر الصراع في غزة، فإن الصفقة السعودية – الإسرائيلية ستبقى معلّقة.
المصدر: Foreign Affairs