يتذكر المسلمون خلال شهر رمضان العديد من قرّاء القرآن الكريم، الذين اجتمعت عليهم القلوب قبل الآذان.
لكن الإجماع حول الشيخ الراحل محمد صِدّيق المنشاوي الذي صادفت مئوية مولده العام الماضي، يجعله الأبرز والأكثر تأثيراً بين قارئي القرآن في العالم، وهو المعروف بالقارئ الباكي، نظرا لما يتمتع به صوته من خشوع وشجن يثيران مشاعر المستمعين بشكل لافت.
عاش الشيخ المنشاوي عمراً قصيراً نسبياً بالمقارنة بتأثيره الهائل، إذ ولد في قرية البواريك التابعة لمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج (جنوب القاهرة) في العشرين من كانون الثاني/يناير (مع اختلاف حول عام الميلاد بين 1919 و1920)، ورحل يوم 20 حزيران/يونيو 1969 عن نحو خمسين عاما وأشهر عدة، بعد أن ترك تسجيلات، قال مختصون إنها لأفضل من رتل القرآن الكريم في مخارج الحروف والطبقات وجودة الصوت.
سار المنشاوي على درب قدوته الشيخ محمد رفعت الذي عاش حياته تحت شعار “قارئ القرآن لا يهان”، ولذلك رفض المنشاوي الذهاب لمبنى الإذاعة المصرية عندما دُعي إلى حضور امتحان للقبول بها، قائلا “لا أريد القراءة بالإذاعة، لست في حاجة إلى شهرتها ولا أقبل أن يُعقد لي هذا الامتحان”.
ولما كانت شهرة الشيخ قد ذاعت في عموم مصر كلها، فقد أرسل مدير الإذاعة إليه مندوباً للحصول على التسجيل، حيث كان يقرأ في قريته خلال شهر رمضان الموافق لعام 1953، وتم اعتماده بالإذاعة بناء على هذا التسجيل، ثم ذهب إلى الإذاعة لاحقا لإكماله.
يُروى أن عبد الناصر كان يحب صوت المنشاوي، وطلبه للقراءة في مأتم والده بالإسكندرية، وبعد انتهاء العزاء دعا عبد الناصر الشيخ للمبيت في الغرفة المجاورة، وفي الصباح دعاه لترتيل آيات من الذكر الحكيم، ويقال إنه طلب بعدها من المسؤولين بالإذاعة تسجيل القرآن الكريم كاملا مرتلا بصوت المنشاوي، وهو التسجيل الذي طاف العالم ويتداوله حتى الآن الصغار والكبار.
كما سجل المنشاوي القرآن الكريم مجوّدا أيضا، وله قراءة مشتركة مع الشيخين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي للمصحف برواية الدُّوري عن أبي عمرو، فضلا عن مئات القراءات في الحفلات والمناسبات المختلفة.
والد الشيخ محمد صِدّيق المنشاوي كان أحد أعلام قراء القرآن الكريم في صعيد مصر خاصة، وكذلك شقيقه محمود، وقيل جميع الأشقاء الرجال، ومن بعدهم الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي نجل شقيقه.
أتم محمد صديق المنشاوي حفظ القرآن الكريم في عمر ثماني سنوات على يد أبيه، ثم ارتحل إلى القاهرة ليستكمل علوم القرآن الكريم على يد أبرز مشايخ الأزهر الشريف الشيخ محمد أبو العلا والشيخ محمد سعودي، وبعدها جاب صعيد مصر، فعرف بجمال الصوت وتقريب معاني القرآن في عموم مصر وخارجها.
قرأ المنشاوي لاحقا في معظم الدول العربية والإسلامية، حيث قرأ في المسجد الأقصى بالقدس الشريف، وفي الكويت وليبيا والجزائر والعراق والسعودية وبريطانيا، وفي سوريا التي منحته وسام الاستحقاق، كما منحته إندونيسيا أحد أرفع أوسمتها.